رمضان والخير اللي فيه

في رمضان يطول الحديث عن اوجه الخير، ويبدأ الكثير في التفكير والتحرك في اعمال البر والصدقات وبذل كل جهد لمساعدة الآخرين، هذه المظاهر، دون شك، هي جزء من الثقافة الرمضانية التي نعيشها نحن المسلمون، فلرمضان بهجة وحضور غير اي بهجة وحضور في باقي شهور السنة، على اني اسأل هنا هل فعل الخير يقتصر على شهر رمضان فقط؟ وسؤالي هذا نابع من حوار مطول اعيشه واسمعه دائما حول "ثقافة فعل الخير" وهل هو سلوك يتعلمه الانسان أم انه جزء من فطرته، آخر ما سمعت هو أن من يفعل الخير يولد هكذا محبا للانسان الآخر وتتشكل لديه الرغبة لمساعدة الآخرين منذ نعومة اظفاره، والمسألة هنا ليست مرتبطة بالقدرة المالية أو الجسدية لكنها مرتبطة "بالمقدرة على فعل الخير" وهي مقدرة نفسية بالدرجة الأولى لأن المقدرة (وقد سبق لي ان تحدثت عن "لذة المقدرة") هي جزء من الحالة النفسية لفاعل الخير، ولذتها تكمن في "سماحة النفس" والتطوع لاشعوريا لمساعدة الآخرين وأريحية لاحدود لها في البذل، ولعلي اذكر هنا من كانوا يلومون حاتم الطائي على كرمه ويصفونه بأنه كان "مفرطا"، فهؤلاء لا يعلمون ان البذل والكرم حالة نفسية لا ترتبط بالمظاهر كما يعتقد البعض (وان كان كثير منها في الوقت الحالي يعبر عن المظاهر اكثر من حالة نفسية حقيقية يعيشها الكريم)، فحاتم كان يشعر بلذة العطاء وبلذة المقدرة على العطاء، بينما يرى الآخرون ان هذا العطاء كان خارج حدود العقل، والذي يبدو لي ان فعل الخير بكل اشكاله (الكبيرة والصغيرة) تخرج من عباءة واحدة هي التركيبة النفسية والسلوكية التي تجعل من يفعل الخير يشعر بلذة عظيمة الذ من كل اللذائذ التي ترتبط بالشهوات، ولعل هذا يقودنا إلى تساؤلنا الأول وهو: لماذا يرى البعض فعل الخير جزءا من الثقافة الرمضانية فقط؟ ولهذا السؤال بعد نقدي لا بد ان اشير إليه فالحالة التي نشاهدها حولنا، واقصد بها العمل الخيري بصورته العامة لا تتناسب مع حضور هذا الفعل ثقافيا في نفوس ابناء هذا الوطن المعطاء، وهو ما يجعلنا نفكر في هذا الجو الرمضاني الرائع في صور "خيرية" اكثر تأثيرا على المدى البعيد نتمنى أن تحول العمل الخيري إلى "اسلوب للحياة" وليس حالة طارئة يعيشها الانسان في فترة محدودة من السنة ثم يتركها لينتظرها في نفس الفترة من العام المقبل، خصوصا عندما نتذكر ان فعل الخير هو عمل فطري لا سلوك مكتسب فقط